
حين كشف البكاء الحقيقة
في قرية نائية تقع في الشمال الغربي من محافظة حضرموت تدعى الضليعة، كان يعيش الطفل محمد مع أسرته، وهو طفلٌ صغير كثير البكاء لا يكاد يهدأ ليلًا أو نهارًا، مما كان يثير قلق والديه ويفرض على العائلة تحديًا مستمرًا في توفير الراحة والطمأنينة له. بحثًا عن حلٍ، نصحهم الجيران بالذهاب إلى مركز الرعاية الصحية الأولية في منطقة الهجرين، فشدا الرحال وقطعا ساعتين من الطريق للوصول إلى المركز، آملين أن يجدوا تفسيرًا لهذا البكاء المستمر.
عند وصولهم، استقبلتهم استشارية الأطفال، الدكتورة أسرار لرضي، التي أظهرت مهارة فائقة في الاستماع إلى ملاحظاتهم وتحليلها بعناية. بفضل خبرتها وكفاءتها العالية وهذا شأن كادر مركز الرعاية الصحية في الهجرين، أجرت الدكتورة فحصاً شاملاً لحالة محمد، مما أتاح لها اكتشاف مشكلة لم تكن واضحة من قبل. فإلى جانب التهاب بسيط في الصدر، تبيّن أن محمد يعاني من ضعفٍ في حاسة السمع، وهو ما يستدعي تدخلًا تخصصيًا لمتابعة حالته بدقة. بناءً على هذا الاكتشاف، أوصت الدكتورة بتحويله إلى مركز متخصص في السمع لإجراء فحوصات إضافية بهدف تحديد طبيعة المشكلة بشكل دقيق ووضع خطة علاج مناسبة.
واصلت العائلة الطريق إلى المكلا، حيث أظهرت الفحوصات المتقدمة أن محمد يعاني من فقدان سمعي يتطلب عملية زراعة قوقعة. ورغم المخاوف الطبيعية لدى والديه بشأن العملية، إلا أن الدعم النفسي والتشجيع الذي قدّمه الأطباء زادهم ثقةً وطمأنينة، فتوكلوا على الله وقرروا إجراء العملية لطفلهم.
اليوم، يبلغ محمد من العمر سنتين ونصف، وقد أصبح ينطق بوضوح، متمتعًا بطفولة أكثر سعادة وهدوء. تحوّلت رحلة علاجه إلى قصة ملهمة، وأصبح مركز الرعاية الصحية في الهجرين جزءًا أساسيًا في حياة الأسرة. فرغم بعد المسافة، تتابع العائلة زياراتها للمركز، مؤمنة بقدرة الطاقم الطبي هناك على تقديم الرعاية والتشخيص الموثوقين، مما رسّخ علاقة عميقة من الثقة والتقدير بين الأسرة وفريق المركز الطبي.
قصة محمد هي دليلٌ حي على أهمية الرعاية الصحية الشاملة والمستمرة، وكيف يمكن للثقة والدعم الطبي أن يفتحا أبواب الأمل والنمو حتى في أبعد المناطق.